بقلم د. هالة اسبانيولي - عضو إدارة مركز مساواة
تختلف نسبة مشاركة المرأة العربية في الحياة السّياسيّة من مجتمع إلى آخر، حسب منظومة القوانين والقيم والعقائد والأفكار التي تسود المجتمع. لكن في جميع الحالات، نجد أنّ مشاركة المرأة السّياسيّة في جميع المجتمعات العربيّة ما زالت متدنيّة، على الرغم من أننا نعيش في عصر العولمة وما يولّده من انعكاسات حضاريّة.
أمام هذا التّقدّم وأمام إرتقاء المرأة في مستواها التّعليميّ الأكاديميّ، وفي الحياة العمليّة والعامّة، إلّا أننا نجد أن مشاركتها في الحياة السّياسيّة، وخاصّة بالتّمثيل البرلمانيّ، أقلّ بكثير من مستوى تعليمها وكفاءاتها، ونجد بأنّ ترقيّتها في مجال العلم والعمل لم تترجم إلى مشاركة سياسيّة فعليّة. لذا، ما زالت مسألة تهميش دور المرأة في المشاركة السّياسيّة، تشغلنا، حيث إنّ استعراض وضع المرأة الفلسطينّة في اسرائيل اليوم، بالنسبة للمشاركة السّياسيّة، يعكس لنا صورة واضحة بالنسبة لوضع مأساوي يعيشه مجتمعنا.
نشهد في الآونة الأخيرة زيادة واضحة في وتيرة الدّعوات الّتي تنادي إلى ضرورة تمكين المرأة وضرورة مشاركتها السّياسيّة. وقد عقدت الجمعيّات المختلفة (مساواة، الطفولة، كيان وغيرها) العديد من الدّورات التّمكينيّة من أجل تمكين المرأة وتشجيع حضورها في الحياة السّياسيّة وزيادة التّمثيل في السلطات المحليّة والبرلمان. وبالفعل نجد هنالك تقدّما ما في السّنوات الأخيرة، إلّا أنّه ، رغم الجهود المبذولة من أجل تحقيق المساواة الجندريّة، ما زلنا نجد أن نسبة حضور المرأة في مواقع اتّخاذ القرارات وفي التّمثيل المحليّ والبرلماني أدنى من المطلوب.
السّؤال هو لماذا كلّ هذا الاهتمام ولماذا يجب أن تكون المرأة شريكة في العمل السّياسيّ؟
أولا: لأن المرأة أكثر من نصف المجتمع، تمتلك العديد من القدرات والإمكانيّات والطاقات الذّهنيّة والاجتماعيّة، والمجتمع الذي لا يستغل قدرات المرأة يبقى مشلولا وبعيدا عن التّقدّم الحضاري.
ثانيا: من أجل تحرّر المجتمع وارتقائه، يجب العمل على تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء، فقضيّة الانسان لا تتجزأ، ومن المهم رؤية المرأة كإنسان فاعل شريك ولديها حاجات لتحقيق الذّات من خلال العمل الانتاجي، تماما كالرجال.
ثالثا: لأن تغييب المرأة عن مراكز اتّخاذ القرار يترك أثرا سلبيّا، إذ تعالج جميع القضايا وتسنّ القوانين من وجهة نظر أحاديّة، وتبقى وجهة نظر المرأة مغيّبة ومهمّشة في جميع القوانين والتشريعات، وتتجلّى انعكاسات هذا التّغييب عن غياب طرح فعلي لقضايا المرأة، كما وتبقى السياسة محتكرة على الرجال.
رابعا وهو الأهم: لأن مشاركة المرأة السياسيّة هي مصلحة مجتمعيّة من الدرجة الأولى: من أجل مجتمع حضاري، من أجل العدالة الاجتماعيّة، فإنّ رقيّ المجتمع مرهون برقيّ المرأة وهذه حقيقة لا نقاش حولها، فبالنظر إلى المجتمعات من حولنا نجد أنّه يمكننا أن نحدّد مدى إرتقاء المجتمع من خلال وضعيّة المرأة ومكانتها في ذلك المجتمع
خامسا: لأنّ مشاركة المرآة السّياسيّة تشكل قاعدة جماهيريّة ضاغطة من أجل وصول النساء الى التّميل البرلماني.
ولو حاولنا استعراض الأسباب لهذا الوضع المأساوي الذي تعيشه المرأة الفلسطينيّة في اسرائيل، نجدها كثيرة: منها ما يتعلّق بمعيقات اجتماعيّة ورؤيا نمطيّة مقولبة تجاه العمل السّياسي للمرأة، ومنها ما يتعلّق بوضعنا كأقليّة فلسطينيّة مميّز ضدها داخل اسرائيل، ومنها ما يتعلّق بالمرأة نفسها وما ذوّتته من دونيّة، نتيجة التّربيّة البطريركيّة.
فعلى الصّعيد المجتمعيّ: فنحن نعيش بمجتمع بطريركي تسوده القيم الذّكوريّة، حيث يميل هذا المجتمع إلى تكريس فوقيّة الرجل وإلى تفضيل الرجل عن المرأة. فيقومون بتكبيل المرأة بالعديد من القوانين والقواعد البالية الّتي تقضي على إمكانيّاتها الإبداعيّة وعلى استقلاليتها. ومن هذه القواعد المكبّلة هي تحديد دور المرأة وكأنّه مقتصر على تربيّة الأولاد والقيام بالمهام المنزليّة، مما يجعل بعض الرجال، حتى يومتا هذا، غير مشاركين في هذه المهام، فتتحمل المرأة العبء المضاعف. وبالإجمال فالمجتمع البطريركي يعتبر بأنّ دور المرأة مقصور على الحيّز الخاصّ ولا مكان لها بالحيّز العامّ. وهذا يحرمها من العديد من الفرص لتنميّة قدراتها وتحقيق ذاتها. وفي غالبيّة الأحوال لا تكون البيئة مساندة للمرأة بل تمارس عليها العديد من الضّغوطات الأسريّة، تردعها عن مجرد التّفكير بممارسة العمل السّياسيّ.
كما أنّ هنالك مفهوما مقولبا عن العمل السّياسي، مفاده بأنّ هذا العمل هو عمل رجالي يحتاج إلى النّضال والدّخول بالعديد من الصّراعات، ويحتاج إلى صفات قياديّة يراها البعض مقصورة على الرجال، لذا يعتبرون بأن هذا العمل غير مناسب للنساء. كما وينسب هذا المجتمع صفات شخصيّة للرجل غير تلك الّتي يراها لدى المرأة، هذه الصّفات الفرضيّة تؤهّل الرجل، حسب توقّعاتهم، للعمل السّياسيّ وتحرم المرأة منه. مثل: (عقلانيّة الرجل مقابل عاطفيّة المرأة، الرجولة مقابل الأنوثة، القوة والسّيطرة مقابل الضعف والخنوع، القدرة على اتّخاذ القرارات والاستقلاليّة مقابل التّبعيّة) هذه المفاهيم المجتمعيّة وغيرها من القوانين تسعى إلى تغييب المرأة عن المشاركة السّياسيّة والجماهيريّة، وتتّسم بانحياز ثقافي لصالح الرجل وتكريس دونيّة المرأة. وكما سنرى لاحقا، هنالك العديد من النّساء اللواتي تتأثّرنّ بالرؤيا النّمطيّة وتذوّتن ذلك، ممّا يردع، غالبيتهن، بالتفكير بالتّوجّه للعمل السّياسي.
أمّا بالنّسبة للتمثل البرلماني، على وجه الخصوص، فإنّ
وضعنا كأقليّة قوميّة مميّز ضدها تعاني من شحّة الموارد والإمكانيّات، ويتمّ إخضاع التّعامل مع قضيّة المرأة لمتطلبات الصّراع حول السّلطة، فالأماكن المتاحة أمام الأحزاب العربيّة قليلة والتّنافس كبير، والرجل في مجتمعنا أقوى على التّنافس، فتكون المرأة أول المتضررات، وكأقليّة مميّز ضدها تلتزم عادة النساء بعدم تمثيل الأحزاب الصهيونيّة، لذا تبقى الموارد شحيحة أمامها. الأماكن القليلة التي فازت بها النّساء في السّنوات الأخيرة كانت بغالبيتها نتيجة تخصيص مكان واحد لإمرأة في كل حزب.
وبالنّسبة للأسباب المتعلّقة بالمرأة ذاتها، فتعود إلى تذويتها للقمع وإيمانها بدونيّتها، حيث تتعرّض بعض النّساء إلى نوع من الاستيلاب العقائدي[1] بحيث تذوّت المقولات التي تسعى إلى "تشييئها" وتكريس دونيّتها وتقتنع بها، وتؤمن بفوقيّة الرجل وتبعيّتها له، وبالتّالي فهي تؤمن، قصرا، بدونيّتها وقصورها وبأنّها غير قادرة أن تكون قياديّة، لا تستطيع الاستقلال وبناء ذاتها. ولكن عندما تتحرّر المرأة من هذا الإستيلاب تسطيع أن تؤمن بذاتها وبقواها الداخليّة وتستطيع أن تقول: "السّماء هي الحدود".
جميع هذه المعيقات تجعل المرأة، أحيانا، خائفة من البيئة الانتخابيّة وما يرافقها من ضغوطات ومنافسة شرسة وحملات إعلاميّة غير نزيهة. وفي مثل هذه الأجواء نجد أنّه من السّهل أن تقع المرأة فريسة للعنف المجتمعيّ وللانتقادات والهجوم والتّصيّد بالمياه العكرة. فما يحدث، اليوم، مع النائب عايدة توما سليمان، يشهد على العنف المجتمعي الموجّه ضد المرأة. وفقط النساء اللواتي تؤمننّ بقواهن تسطعن مواجهة مثل هذه المواقف.
لذا فلتغيير وضعنا السّياسيّ ومن أجل فتح آفاق ومجالات تجعل من مشاركة المرأة مشاركة فعليّة يجب ما يلي:
تجاوز الحدود الضّيّقة التي يندرج في إطارها تصوّر العمل السّياسيّ للمرأة وتغيير الرؤيا النّمطيّة المقولبة تجاه هذا العمل.
احترام جميع الاتفاقيّات اتي تعطي حقوقا كاملة للمرأة، وخاصّة اتفاقيّة الأمم المتّحدة من أجل القضاء على جميع أشكال التّمييز ضد المرأة (CEDAW).
يجب على الأحزاب السّياسيّة تبنّي برنامجا يكون نموذجا للدمقرطة وعصرنة المؤسسات السّياسيّة والدفع لتحرير المجتمع وفقا لمشروع مجتمعيّ متكامل تكون مشاركة المرأة في انجازه فعليّة وتحتل فيه قضيّة المرأة موقفا أساسيّا. كما ويجب أن يكون هنالك توافق بين الأقوال والأفعال، لأن هنالك أحزابا تؤكّد على ضرورة مشاركة المرأة السّياسيّة ولكنّ الرجال المنتفعين من الوضع الحالي، لا يسعون إلى تغييره وتبقى التّصريحت بدون تنفيذ.
كما وإن هنالك مسؤوليّة على المرأة ومدى قدرتها على التّصديّ لمحاولات التّهميش والتّغييب، لذا علينا تشجيع المرأة على الايمان بذاتها وعلى السعي للعمل السياسي، عليها أن تتحرّر من أن تكون أسيرة للدّور التّقليديّ، عليها أن تؤمن بذاتها وتتحرّر من الاستيلاب العقائدي الّذي يمارسونه ضدها. وهذا طبعا يحتاج إلى مساعدة المتحررين من هذا المجتمع.