يعتبر البعض ان ميزانية الحكومة هي شأنا اسرائيليا يهوديا لا دخل للجماهير العربية والفلسطينية فيه. ويروج البعض الاخر في مجتمعنا ان المتهم الاساسي في مآسينا والفقر والشوارع والمدارس هو رئيس السلطة المحلية العربي "الفاشل". يتناسى الطرفان الضرائب التي تجبى من المواطن العربي لتمول ميزانية الدولة. وتدخل في الاشهر الاخيرة للمدن والقرى العربية لتلحظ الحراك الديمقراطي الرائع حول انتخابات السلطات المحلية لتظن ان الانتخابات هي للكنيست التي تقرر الحرب والسلم وتقسيم ميزانية الدولة. يتجاهل غالبية رؤساء السلطات المحلية والمؤسسات المحلية النقاش المصيري الجاري في الاسابيع الاخيرة حول سلم الاولويات الاقتصادي الاجتماعي في البلاد وتأثيره على المواطن العربي. ويساهم في تهميش الموضوع الاحزاب السياسية الممثلة في الكنيست وخارجها والتي لا تشرك المواطن في النقاش المصيري على اوضاعهم الاقتصادية الاجتماعية نتيجة تغيير سلم الاولويات الاقتصادي في الدولة. ويعتقد البعض ان للمواطن الفرد، وبالذات للمواطن العربي قدرة محدودة في التأثير، وعليه يتقاعس عن القيام في دوره المدني ويقوم المستوطن في تحديد سلم الاولويات السياسي والمالي.
سنحاول من خلال هذا الاستعراض مشاركة الجمهور في محاور المعركة على ميزانية الدولة، والتي نعتبرها معركة على أموالنا وسلم الاولويات القانوني والاجتماعي للدولة والحكومة. ونوجه نداء الى الجمهور والمؤسسات التحرك لمنع المس في المجتمع العربي عامة وخصوصا الطبقات الفقيرة والمهمشة منه.
يشاهد المواطن في العين المجردة الفروقات بين عومر في النقب واللقية المجاورة، كما يلحظ المار على شارع رقم 6 المنطقة الصناعية المتطورة التي تجاور مطار بن غوريون وراس العين مقابل المنطقة الصناعية الهزيلة المجاورة لمدينة باقة الغربية، كما يمكننا ملاحظة غياب المشهد الثقافي عن مدينة ام الفحم واطفالها في حين يتمتع ابن العفولة في المؤسسات العامة والمواصلات الشعبية التي تمكنه من الوصول الى معاهد التعليم والثقافة على انواعها.
تقرر الحكومات المتعاقبة أولوياتها حسب معايير داخلية منها دعم الاستيطان والاستعداد للحرب القادمة ومعايير دولية منها مطالب البنك الدولي والبنك الاوروبي و OECD وغيرها من الاجسام التي تقرر سلم الاولويات لدول العالم المختلفة التي تستقرض ومنها اسرائيل.
تصل ميزانية الصرف الحكومية للعام 2013 الى ما تقارب قيمته ال- 395 مليارد شيكل وتصل ميزانية الصرف الحكومية للعام 2014 الى ما تقارب قيمته ال- 406
ويمكننا تقسيم ميزانية دولة اسرائيل الى قسمين مركزيين:
- الميزانية العادية: تصل الى 280 مليون شيكل منها اكثر من 53 مليارد للامن
- ميزانية التطوير: تصل الى 115 مليون شيكل ومنها اعادة قروض لدول العالم بقيمة 95.3 مليارد شيكل وفقط ما قيمته 19.8 مليارد شيكل يرصد للتطوير
تغلق وزارة المالية ومكتب رئيس الحكومة باب النقاش حول سلم اولويات اعادة القروض وحجم العجز المالي للدولة ولا تسمح في مناقشة اولويات تخصيص الميزانيات للجيش والامن.
وتبقى بنود الخدمات المدنية والتي تصل الى حوالي 250 مليارد شيكل مفتوحة للنقاش والتغيير وهذه البنود سنركز عليها في هذه الورقة
الفقر وتقليص مخصصات الاطفال
يشكل المجتمع العربي حسب الاحصائيات الرسمية والتي تشمل القدس الشرقية والجولان المحتل ما يعادل 20.5% من مواطني الدولة وما يعادل 18% من الجيل الملائم للمشاركة في سوق العمل. ويشكل الاطفال العرب (أصغر من 15 سنة ) حوالي 36.8% من المجتمع العربي.
فقر اكثر من 50% من العائلات العربية وحوالي 60% من الأطفال العرب حسب معايير الفقر الاسرائيلية نابع في الأساس من سياسة الحكومة تجاه العائلة العربية والموارد التي خصصتها بهدف اخراج الطفل والعائلة العربية من دائرة الفقر. سبب ادخال العائلات العربية لدائرة الفقر هو سياسة مصادرة الارض والعمل والتعليم. امتنع القطاع العام الاسرائيلي والقطاع الخاص من دمج العرب في سوق العمل المتطور وخصوصا في مجال التقنيات المتطورة والهايتك. ونرى في هذا السياق تحركا ايجابيا ولكنه لا يتجاوب مع أزمة العمال العرب المتوفرين حاليا لسوق العمل والغير ملائمين للاندماج فيه.
وفي ظل التغييرات السريعة الحاصلة على سوق العمل لا يمكن ان تخرج العائلة العربية من دائرة الفقر دون ضمان التدريب المهني والتعليم العالي والاندماج في سوق العمل المنتج لأكثر من معيل في العائلة من جهة ومن جهة ثانية يجب دمج العامل العربي في مهن تسمح له في رفع معدل أجره الشهري.
بدل ان تطور الحكومة برامج تدريب مهني لملائمة القوى العاملة العربية لسوق العمل في البلاد تقوم في ميزانيتها المقترحة للعامين 2013-2014 في تقليص مخصصات الاطفال ومخصصات البطالة وتفرض تأمين صحي على ما يسمى "ربات البيوت".
سيؤدي تقليص مخصصات الاطفال الى تعميق ظاهرة فقر الاطفال والمتفشية في الاساس لدى العائلات التي يعيلها عامل واحد، او عائلات تعاني من البطالة او تعيش في القرى غير المعترف فيها في النقب. تقع مسؤولة خروج الطفل من دائرة الفقر على الدولة المسؤولة عن توفير اماكن عمل كريمة لآفراد العائلة العربية.
ضريبة تأمين النساء ربات البيوت
استهداف ربات البيوت عامة وربات البيوت العربية خاصة، في قانون الميزانية المقترح حاليا، كشريحة أضعف اقتصاديا سيعمق الفقر والاهمال الطبي الذي تعاني منه المرأة العربية عامة وربات البيوت العربيات خاصة. تدل كافة الدراسات التي صدرت مؤخرا على عمق الاهمال الطبي الذي تعاني منه المرأة العربية والذي يؤدي الى أمراض عديدة والى وفاة مبكرة. وعلى الرغم من هذه المعطيات تنوي الحكومة الحالية فرض ضريبة تأمين صحي على ربات البيوت بقيمة 80 شيكل شهريا.
رفع ضريبة الارنونا وتشديد الجباية
يلاحظ المواطن العربي حملات تشديد جباية ضريبة الارنونا التي اطلقت في البلدات العربية في السنوات الاخيرة. يتهم الغالبية رؤساء المجالس في هذه الحملات ولا يتفهموا موقف رؤساء المجالس مقابل وزارة الداخلة والمؤسسات الحكومية. تمنع الحكومة المنح والقروض من المجالس التي لا تجبي الارنونا وتفرض على رؤساء المجالس محاسبين خارجيين وفي اكثر من 19 حالة قامت في فك المجلس المحلي واقالة الرئيس المنتخب.
بهدف تعميق الجباية في المجتمع العربي قررت وزارة المالية ان تلغي الحق في تخفيض ضريبة الارنونا على العائلة العربية التي لا يعمل معيل فيها. ويطلب التغيير القانوني من المواطن المتقدم بطلب تخفيض في الارنونا بسبب فقر عائلته ان يبرهن انه حاول العمل ولم ينجح. ويهدف هذا التغيير من ناحية الحكومة الى الغاء الافضليات التي يحصل عليها العاطل اختياريا عن العمل. فعليا يعني هذا التغيير ان العائلات العربية، خصوصا في القرى والمدن التي لا تعمل فيه النساء ستضطر الى دفع ضرائب اضافية اضافة الى رفع ضريبة القيمة المضافة على كافة المشتريات ب 1% .
السلطات المحلية ودعم وزارة الداخلية:
تدير 267 سلطة محلية في اسرائيل ما قيمته 46 مليارد شيكل سنويا. ترصد وزارة الداخلية ما قيمته لعام 2013 فقط ما قيمته 3,487,614,000 مليارد شيكل وعام 2014 ما قيمته 3,489,617,000. توزيع هبات الموازنة على السلطات المحلية الافقر في البلاد حسب معادلة غديش . تحول وزارات التربية، الرفاه والداخلية ثلث ميزانية السلطات المحلية وتجبي هذه السلطات ثلثي ميزانيتها من ضرائب الارنونا. حيث تجبي كافة السلطات المحلية بالبلاد ما قيمته 8مليارد شيكل من ارنونا السكن واكثر من 11 مليارد من المؤسسات العامة والمناطق الصناعية. وفي غياب المناطق الصناعية في المجتمع العربي تعتمد السلطات المحلية العربية في الاساس على هبات حكومية وضريبة الارنونا على المنازل. وصل حجم ما حصلت عليه السلطات المحلية العربية في العام 2012 من هبات موازنة الى حوالي مليارد شيكل وتحصل بلدية القدس لوحدها على منحة حكومية سنوية بقيمة 186 مليون شيكل. ترصد وزارة الداخلية ميزانية خاصة قيمته 247 مليون شيكل لدعم السلطات المحلية المنهارة وهي في غالبيتها غربية كما تخضض الوزارة ما قيمته257 مليون شيكل كميزانية تطوير البنى التحتية.
جعفر فرح- مدير مركز مساواة
اياد سنونو- محاضر في قسم الاقتصاد في كلية عيمك يزراعل واقتصادي في مركز مساواة.