جعفر فرح- مدير مركز مساواة
يعقد مؤتمر المكانة القانونية للجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل وذلك للمرة الرابعة وبمبادرة مركز مساواة في ظل تطورات اقليمية عربية وعالمية ستؤثر على مستقبل الجماهير العربية والشعب الفلسطيني والمنطقة العربية. يشكل المؤتمر منصة للحوار وتبادل الخبرات بين المنتخبين والعاملين في سن القوانين وبين مطبقي القوانين في المحاكم من محاميّن وقضاة سابقين ونشطاء في مؤسسات حقوق الانسان، ويناقش المؤتمر مواضيع عديدة من خلال ورشات عمل تخصصية تعطي فرصة لتبادل الخبرات والتشبيك بين المشاركين والمشاركات.
حيث يعمل مركز مساواة على تحويل توصيات المؤتمر الى آليات عمل تستثمر في الجهود لتغيير المكانة القانونية والسياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع الفلسطيني من خلال استخدام أساليب تحرك متنوعة منها المرافعة البرلمانية والعمل الشعبي والمرافعة القانونية.
يشارك في مداخلات المؤتمر عدد كبير من المشرعين والقانونيين ويتعامل مع المحاور التالية:
مكانة المجتمع العربي الفلسطيني في ظل المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية
تجددت المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية بمبادرة ورعاية أمريكية وقد تبنى راعي المفاوضات خطاب الاعتراف في اسرائيل كدولة "يهودية" متجاهلا تبعات هذا الاعتراف على دونية مكانة المجتمع الفلسطيني في حل الدولتين. وزيرة القضاء الاسرائيلي ومسؤولة المفاوضات الاسرائيلية تسيبي لفني كانت من اول من تبنى اشتراط اتفاق السلام في تحصيل الاعتراف الفلسطيني والعربي والدولي في اسرائيل كدولة يهودية. وكان هذا الموقف قد طرح من قبل لفني ومؤسسات اسرائيلية مركزية بادرت لطرح اقتراح دستوري على رأسها "معهد الديمقراطية اليهودي". وبادرت المؤسسات الفلسطينية وبينها مركز مساواة ولجنة رؤساء السلطات المحلية العربية الى طرح رؤيا جماعية مختلفة لطرح الدولة اليهودية. وطرحت هذه المؤسسات حل اقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف في المجتمع الفلسطيني في اسرائيل كجزء من الشعب الفلسطيني دون التنازل عن حق المواطنة المتساوية الكاملة في اسرائيل.
تعثر الحوار الدستوري بين الاغلبية اليهودية في البلاد والاقلية العربية الفلسطينية وقرار القيادة الاسرائيلية اليهودية تدويل الحوار الدستوري وطرح "الدولة اليهودية" كشرط مسبق على المفاوض العربي والفلسطيني. ونجحت الدبلوماسية الاسرائيلية في تدويل الموقف في ظل معارضة فلسطينية وعربية. يشار الى ان عدد من قوانين الاساس والقوانين العادية تعرف اسرائيل كدولة يهودية وتتجاهل كافة القوانين الاسرائيلية الحقوق الجماعية للمجتمع الفلسطيني العربي في البلاد.
يطرح الائتلاف الحكومي الحالي اقتراحات قوانين، بما في ذلك قانون اساس "اسرائيل دولة القومية اليهودية"، بهدف تعميق التمييز القانوني تجاه المجتمع الفلسطيني في البلاد وذلك الى جانب اقتراحات قوانين تمييزية في مجال السكن والتشغيل والمواطنة.
يناقش المؤتمر هذا الموضوع بمشاركة القيادات السياسية المنتخبة للجماهير العربية وممثلي مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني وممثلي منظمة التحرير الفلسطينية. كما يفسح المؤتمر امام المشاركين فرصة طرح أفكار جديدة لحل القضية الفلسطينية، ضمن حماية الحقوق الجماعية والفردية للمجتمع العربي الفلسطيني في اسرائيل. يتطلب الوضع الحالي ان نتحرك لطرح مبادرات تحمي الوجود الجماعي والفردي لمجتمعنا وتمنع تعميق الدونية القانونية القائمة حاليا في الجهاز القضائي.
رؤيا مستقبلية وأزمة عربية
طرحت مؤسسات أهلية بينها مركز مساواة، مؤسسة عدالة ومعهد الابحاث مدى اجتهادات عدة لحلول دستورية تحمي حقوق المجتمع الفلسطيني، وبادر رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية السيد شوقي خطيب ولجنة رؤساء السلطات المحلية العربية عام 2005 الى بلورة اقتراح استراتيجي لرؤيا جماعية للمجتمع العربي الفلسطيني في اسرائيل، خلقت المبادرات المذكورة ردود فعل جدية في المؤسسات والشارع اليهودي ولكن رفض الحركة الاسلامية الشمالية مناقشة الاقتراح في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية أدى الى اجهاض الجهد المبذول لطرح تصور مشترك للجماهير العربية.
ترافق هذه التطورات الازمة العربية الحالية وهي أزمة الاتفاق بين التيارات الاسلامية والتيارات الوطنية في المنطقة العربية،وتنزلق المنطقة العربية الى حروب ومواجهات أهلية تسحق النسيج الاقتصادي والسياسي والثقافي والوطني لدول المنطقة العربية. وتتطور أزمة شعوب المنطقة العربية الى مواجهات مدنية وعسكرية تمنع تطور ديمقراطي يقود شعوب المنطقة الى بر الامان.
شارك في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة حوالي 56% من اصحاب حق الاقتراع العرب ولكن شلل الهيئات القطرية للجماهير العربية وعلى رأسها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية هو مؤشر لأزمة الاتفاق على رؤيا مشتركة التي يعاني منها مجتمعنا. وأصبح ما يجمع لجنة المتابعة هو رد الفعل الاني على خطوات قمعية تمارسها الحكومة على مجتمعنا. وها نحن نخوض انتخابات السلطات المحلية العربية في ظل أزمة قيادة تؤدي الى اقتتال يومي في كافة القرى والمدن العربية. فالعنف والانهيار القيمي وسيطرة المسلحين على المشهد الانتخابي يؤدي الى قمع الممارسة الديمقراطية التي من المفروض ان ترافق انتخابات. ومن جهة اخرى فقد حلت وزارة الداخلية خلال السنوات الخميس الاخيرة اكثر من 19 سلطة محلية عربية بسبب أزماتها الخدماتية والتنظيمية والرؤيوية.
يطرح المؤتمر موضوع رؤيا جماعية مستقبلية للجماهير العربية وأزمة الرؤيا في المنطقة العربية بين تيارات الاسلام السياسي والتيارات الوطنية. كما يطرح المؤتمر تساؤلات حول قدرتنا ان نبلور تحرك جماعي مبني على مصالح مشتركة لمجتمع يتعرض لممارسات قمعية وتمييزيه ممنهجة. سنتحاور حول فرص بناء مؤسسات ديمقراطية يمكنها ان تقود مجتمعنا وتحترم الاختلاف.
التأثيرات السياسية على الجهاز القضائي
تتعرض المحاكم الاسرائيلية، وخصوصا محكمة العدل العليا ولجنة تعيين القضاء الى سلسلة ضغوطات سياسية تهدف الى منع الجهاز القضائي من حماية حقوق الانسان في اسرائيل ومناطق الاحتلال المختلفة. وتستثني لجنة تعيين القضاة الحقوقيين العرب وتكتفي بتعيين رمزي لقضاة عرب في الجهاز القضائي الاسرائيلي.
وهناك من يختار في النيابة العامة وجهاز الشرطة والجهاز القضائي المدني والعسكري ان يخدم السياسة الحكومية على حساب قيم حقوق الانسان الاساسية. وأصبحت الدراسات التي تشير الى الفجوات في قرارات الحكم تجاه العرب واليهود تثير تساؤلات جدية حول استقلالية الجهاز القضائي.
قامت الحكومة السابقة في محاولة لتغيير قانون لمنع تعيين عربي لأول مرة في لجنة تعيين القضاة، وتحول تعيين قضاة محسوبين على اليمين السياسي والمستوطنين من أهم مهام لجنة تعيين القضاة.
تتقاعس المحكمة العليا في حماية عشرات الاف العائلات ضحايا قانون المواطنة، وتوافق على غالبية ممارسات الاحتلال العسكرية في المناطق المحتلة. وعلى الرغم من الضغوطات قررت محكمة العدل العليا مؤخرا التدخل لمنع انتهاك حقوق اللاجئين وتجرأ على الغاء قانون غير دستوري، ويشار الى ان المحكمة العليا ومنذ تم تعيين عدد من القضاة خلال فترة الحكومة الحالية قد تحفظت من التدخل في قرارات برلمانية تناقض قوانين أساس وتمس في حقوق الانسان وأبرز نموذج هو رفض التدخل في قانون المواطنة.
تناقش الورشة بمشاركة قضاة سابقين ومحامين التأثيرات السياسية على الجهاز القضائي وقدرة المجتمع العربي التأثير على مراحل بلورة القوانين من جهة وعلى محدودية قدرتنا من الاستفادة من العدالة القضائية.
أليات قضائية وشعبية في مكافحة التمييز والعنصرية
أصبح النضال ضد العنصرية مهمة أوسع من الجماهير العربية، حيث نجحنا في طرح العنصرية ضد الجماهير العربية كجزء من فكر عنصري متكامل يستهدف في نهاية المطاف مجموعات سكانية اخرى. وتقوم محكمة العدل العليا من جهة بالمصادقة على قانون المواطنة ولكنها ترفض قانون سجن اللاجئين. ويمنح الجهاز القانوني عدد من الاليات لمكافحة التمييز في الدخول للاماكن العامة ومكافحة التمييز في العمل وغيرها. ويعمل الاثتلاف الحكومي الحالي على الغاء بعض القوانين التي تمنع التمييز ويشرع قوانين تسمح في التمييز في السكن والتعليم العالي.
سنتدارس خلال الورشة آليات قضائية وشعبية يمكنها المساهمة في مكافحة التمييز والعنصرية في العمل والتصنيف العرقي في المؤسسات العامة وملاعب كرة القدم والخدمات البنكية، وسيقترح المشاركون في الورشة وجهات نظر وتجارب قانونية من شأنها تكثيف المعركة في مكافحة التمييز الحكومي والعنصرية الحكومية والفردية المستفحلة في البلاد.
قوانين الأراضي، التخطيط والبناء وتعامل الجهاز القضائي:
بلورت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة قوانين أراضي وتخطيط تخدم الأغلبية اليهودية على حساب المجتمع الفلسطيني وتصادر حقه في ملكه التاريخي مثل قانون "أملاك الغائبين، وقد تصدت الجماهير العربية خصوصا في يوم الارض عام 1976 لسياسة المصادرة مما منع مصادرة 21000 الف دونم ولكن الحكومة الاسرائيلية كثفت استخدام قوانين التخطيط لتحديد قدرة المجتمع العربي على التطور والبناء خارج مسطحات بناء تم تحديدها من قبل هيئات التخطيط، واصبح المسكن والتخطيط من أصعب القضايا الحياتية التي يواجها الانسان العربي.
بلورت الحكومات المتعاقبة سلسلة من اقتراحات القوانين التي تؤثر على المنظومة التخطيطية في البلاد. تغيير قانون التخطيط والبناء يؤدي الى تصعيد الممارسات القانونية بحق المواطن العربي الذي يخالف قانون التخطيط والبناء بسبب عدم ملائمته لحاجاته الحياتية. وقامت الحكومة والكنيست بتشريع قوانين تحمي مخالفي قوانين التخطيط والبناء اليهود وخصوصا أصحاب "المزارع الفردية" والموشابيم، فقد صادقت قوانين على اقامة مناطق تجارية ضخمة على أراضي زراعية وصادقت على تخصيص ألاف الدونمات في النقب لعائلات متخطية القوانين القائمة من خلال سلسلة قوانين جديدة تخدم اهداف سياسية.
يعتبر "قانون تنظيم سكن البدو في النقب" (المتعارف عليه كقانون برافر) أخر اقتراح قانون ينتهك حق ملكية المواطن العربي في النقب على أرضه،وقد صودق عام 2013 على اقتراح القانون في القراءة الاولي بأغلبية 43 صوت ضد 40 صوت. وقد رصدت الحكومة ميزانيات خاصة لتعيين قضاة وتجنيد مدعين ورجال شرطة لتنفيذ سياسة برافر المقترحة.
تناقش الورشة آليات النضال لمواجهة سياسة الاراضي وقوانين الاراضي المقترحة، كما تطرح الورشة تجارب تاريخية انتصرت فيها الجماهير العربية في منع مصادرات مثل يوم الارض او أنشطة لجنة الأربعين التي قادت الى اعتراف في غالبية القرى غير المعترف فيها في الجليل.
أوراق عمل:
سبق المؤتمر نداء لطرح أوراق عمل قانونية تثري نقاش المؤتمر وما يليه من أنشطة وهذه الاوراق لا تعبر عن موقف مركز مساواة بالذات وإنما عن موقف واجتهاد كاتبيها وقد طرحت أوراق العمل خلال ورشات تم تنظيمها في الاشهر التي سبقت انعقاد المؤتمر. من المهم الإشارة إلى أهمية إبراز التعددية الفكرية في مجتمعنا والعمل على اغناء وتدعيم نضالنا باستراتيجيات نضالية تتلاءم وتعطي الأجوبة على المستجدات السياسية المحلية والإقليمية والدولية.
موقف مركز مساواة:
يطرح مركز مساواة موقف من المكانة القانونية المطلوبة لحماية حقوق الجماهير العربية الفلسطينية في البلاد وتشمل ما يلي:
- اعتراف رسمي بالمجتمع العربي الفلسطيني كأقلية قومية في الدولة وكأهل الوطن الأصليين
- حقنا في الحفاظ عل لغتنا العربية وتطويرها، وفي ضمان ثنائية لغوية جوهرية للدولة
- الحقوق التاريخية في وطننا، حقوق اللاجئين والمهجرين وملكية الأراضي والأوقاف الدينية
- ضمان التمثيل اللائق والمؤثر، على أساس جماعي في كافة الهيئات السياسية والمجتمعية في الدولة
- ضمان التوزيعة العادلة لكافة الموارد المادية في الدولة وتصحيح الغبن التاريخي
- ضمان مساواة مدنية ومساواة قومية شاملة على أسس العدل التوزيعي والعدل التصحيحي
- حقنا في إدارة ذاتية ديمقراطية لمؤسستنا التعليمية والثقافية والدينية
- حقنا في التواصل الوطني والإنساني مع باقي أبناء شعبنا والأمة العربية
- حقنا في تمثيل متساو في المنظومة الرمزية للدولة وفي التعبير عن رموزنا الجماعية
- ضمان النزاهة والعدالة والمساواة في موارد الهجرة والمواطنة
توصيات المؤتمر
سيصدر المؤتمر توصيات تهدف التأثير على متخذ القرار السياسي وصانع القانون البرلماني وعلى مستخدم القانون. وستطرح التوصيات على المؤسسات الوطنية لتستعين فيها في تحديد مسارات عملها القانوني والشعبي والدولي.
ونحن نتمنى ان يتحول المؤتمر الى منصة فكرية جماعية تفيد الافراد والمؤسسات العاملة على تغيير مكانة المجتمع الفلسطيني في البلاد.