صادقت الكنيست الاسبوع الماضي في القراءة الاولى على اقتراح ميزانية الدولة للسنوات 2015-2016 ويمكن الجزم في هذه المرحلة ان الجماهير العربية قد خسرت الجولة الاولى وعليها الاستعداد أفضل للجولات القادمة قبل المصادقة على ميزانية السنوات 2015-2016 والتي من المخطط ان يتم التصويت عليها بالقراءة الثالثة يوم 19.11.2015. وقد خسرنا الجولة الاولى بسبب سياسة الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو ومركبات حكومته. ويتطلب موقف الحكومة ورئيسها إستراتيجية عمل مبلورة تمكننا من تحصيل حقنا المدني والإقتصادي الإجتماعي مستعينين بالضغط الشعبي والإعلامي والدولي متعاملين مع المعادلة البرلمانية القائمة والتي تعتمد على دعم برلماني عنصري يستهدف مجتمعنا وحقوقنا والحريات السياسية. تصر غالبية مركبات هذه الحكومة على تعميق الاستيطان والاحتلال والتمييز والتحريض العنصري ويعارضها تيار انتهازي لا يرى بنا شركاء حقيقيين في تشكيل بديل برلماني.
ساحاول من خلال هذا المقال طرح أفكار لخطة عمل تعتمد على التجارب التي نخوضها والقضايا التي يعاني مجتمعنا منها. وتعتمد الاقتراحات على تجربة مركز مساواة المتراكمة في تحصيل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولا يمكن لهذا الاقتراح ان يكون متكاملا دون إجراء حوار عميق بين مؤسسات ومركبات مجتمعنا المختلفة والتي نعتبر اهمها الأحزاب السياسية والسلطات المحلية والمثقفين والإعلام والقطاع الخاص. لكل هذه المؤسسات دور وعليها ان تناقش التحديات وتبلور خطة عمل متكاملة تستطيع ان تقود الناس الى تحصيل حقوقها.
تغيبت مؤسسات الأحزاب السياسية عن تنظيم الجماهير العربية في المعركة على ميزانية الدولة الحالية. وأصبحت المعركة معركة السلطات المحلية العربية بدعم من أعضاء الكنيست العرب على الرغم من أهمية الدور الموجه والقيادي للأحزاب التي تمثل الجماهير العربية. وغياب، وفي بعض الحالات التغييب المقصود للاحزاب والتي من المفروض ان تستند الى قيمها ومشروعها الفكري يرافقه غياب للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية والتي تعاني هي الاخرى من أزمة رؤيوية وبنيوية لن أتوسع فيه في هذا المقال. تتطلب المرحلة الحالية من قيادات الأحزاب ان تبلور خطة عملها بالتعاون مع أعضاء الكنيست وان تضع برنامجها ومواردها لخدمة الجماهير العربية وان تبحث عن الوسائل المطلوبة لتحصيل حقوق الناس.
العمل الأهلي والبرلماني والمحلي
بادر مركز مساواة، وكعادته منذ تأسيسه، الى عقد إجتماع يوم 7.11.2015 مع لجنة رؤساء السلطات المحلية قبل انهيار الكنيست الاخيرة وعرضنا عليها موقفنا من ميزانية عام 2015. وحضر الاجتماع عدد صغير من رؤساء السلطات المحلية العربية وكان من الواضح ان ميزانية الدولة كألية تنفيذ سياسة تعتمد بمرجعيتها القرار السياسي لم تشغل بال قسم كبير من رؤساء السلطات المحلية الذين لم يشاركوا في الاجتماع.
عقدنا مباشرة وبعد إنتهاء الإنتخابات وعودة الكنيست الحالية يوما دراسيا خاصا عرضنا خلاله تصورنا لمطالب الجماهير العربية من ميزانية الدولة للعام 2015 واستعرضنا مطالب قيمتها 5.5 مليارد شيكل. شارك في هذا اليوم الدراسي والذي نظمناه بالتعاون مع اعضاء لجنة المالية العرب د. احمد طيبي ود. باسل غطاس عشرات اعضاء الكنيست وممثلي الجماهير العربية ولجنة رؤساء السلطات المحلية. وتغيب عن هذا اللقاء وزير المالية موشيه كحلون وحضرته الوزيرة جيلا غمليئل وغالبية اعضاء الكنيست العرب وعدد كبير من اعضاء الكنيست اليهود. ساهم هذا اليوم في طرح المطالب الإقتصادية والإجتماعية وفرضنا في أعقابه حوار هام حول أليات المرافعة البرلمانية والشعبية لتحصيل الميزانيات لتطوير المجتمع العربي ومعالجة القضايا الحارقة التي تعاني منها قرانا ومدننا على مستوى البني التحتية وعلى مستوى الاستثمار في الانسان.
لم نكتفي بمناقشة الميزانية بالعموميات وانطلقنا الى السلطات المحلية لمتابعة الميزانيات المرصودة لبناء الحضانات اليومية ونجحنا بمرافقة تخطيط وتقديم طلبات لبناء مشاريع حضانات يومية في 34 بلد. ومن منطلق فهم لأزمة الفقر في مجتمعنا شارك مركز مساواة في المرافعة لتحميل الحكومة مسؤولية الفقر وطرحنا الموضوع في يوم دراسي عقدناه في مجلس عرعرة وبحضور اكثر من 120 عامل اجتماعي ورؤساء سلطات محلية واعضاء كنيست. وانعقد هذا اليوم الدراسي بهدف تسليط الضوء على اكثر المجموعات تهميشا في مجتمعنا والتي تعاني من الفقر وحتى الجوع. وسبق هذا النشاط المجتمعي عمل شعبي وقانوني يهدف الى حماية المشروع الثقافى الفلسطيني فتقدمنا بالتماس ضد سياسة وزارة الثقافة وعملنا على تنظيم مؤسسات الثقافة بهدف تعميق الهوية والقيم الإنسانية التي نفتقدها في ظل انهيار المؤسسات الثقافية والفراغ الذي تعاني منه قرانا ومدننا.
السلطات المحلية العربية
زرنا خلال الاشهر الاخيرة عشرات رؤساء السلطات المحلية العربية واتفقنا على أهمية بلورة مطالب جماعية من ميزانية الدولة وطلبنا من لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية تشكيل طاقم عمل أوسع يشمل اعضاء الكنيست ومركز مساواة ليعمل على طرح مطالب الجماهير العربية عامة ومطالب السلطات المحلية العربية خاصة. تشكل هذا الطاقم وعقد عدد من الاجتماعات بحضور رؤساء السلطات المحلية: عادل بدير (كفر قاسم)، مضر يونس (عرعرة) ، ادغار دكور (فسوطة)، فؤاد عوض (المزرعة)، سليم صليبي (مجد الكروم)، زاهر صالح (كوكب ابو الهيجاء) و زهير يوسف (دبورية) وبالتعاون مع أعضاء الكنيست: اسامة سعدي، د. يوسف جبارين، عبد الحكيم حاج يحي ود. باسل غطاس والاقتصادي علاء غنطوس وانضم الى هذا الطاقم اعضاء الكنيست ايمن عودة وعايدة توما سليمان.
استعرض إقتصادي مركز مساواة اياد سنونو خلال جلسات طاقم العمل المهني قاعدة المعلومات التي طورناها خلال سنوات وقمنا من خلالها برصد مطالب مجتمعنا في مجالات عدة وقارنا هذه المطالب مع مخططات عمل حكومية، استعرضها امامنا ايمن سيف مدير سلطة التطوير الاقتصادي. بلور طاقم العمل خطة عمل لخمس سنوات تبلغ تكلفتها 32 مليارد شيكل اي ما قيمته 6.4 مليارد شيكل سنويا وتبنت اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية هذه المطالب وقدمتها لرئيس الوزراء ووزراء المالية والداخلية. وحين عرضنا هذا المخطط امام وزير المالية ووزيرة المساواة المدنية إستكثروا هذا المبلغ على الرغم من ان ميزانية الدولة تتجاوز ال 380 مليارد شيكل في عام 2015 وتتجاوز ال 400 مليارد بالعام 2016 .
خاضت السلطات المحلية بالتعاون مع مركز مساواة وممثلي القائمة المشتركة حوار مضني مع أعضاء كنيست ووزراء وإتضح خلالها ان الحكومة لا تنوي رصد الميزانية المطلوبة واكتفت بالإعلان انها سترصد للجماهير العربية للعام 2015 ما قيمته 664 مليون شيكل فقط. وهي ميزانية لم تستخدم من قبل الوزارات الحكومية بين السنوات 2010-2014 .
كشفت وزارة المالية النقاب عن وجود دراسة أجرتها حول الفجوات التمويلية والتحصيلية التي تعاني منها الجماهير العربية. لم تنشر وزارة المالية تفاصيل الدراسة ولم تتقدم بطلب تمويلها من ميزانية الدولة. وفي أعقاب التهديد بالإضراب الذي أعلنت عنه السلطات المحلية العربية ليوم 1.9.2015 جرت مفاوضات بين لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية وبعض مندوبي القائمة المشتركة ووزارات المالية ورئيس الوزراء تم الإتفاق خلالها على تجميد الإضراب مقابل إضافة 200 مليون شيكل كهبات موازنة وهبات تطوير للسلطات المحلية على ان يتم التفاوض حول رصد الميزانيات لمطالب الجماهير العربية وخطة وزارة المالية خلال 30 يوم. وتقترح الخطة تغيير معايير رصد الميزانيات الحكومية ومن المفروض ان يتم بلورتها حتى منتصف شهر 10.2015 . ويتطلب تبني خطة العمل التي بلورتها شركة استشارات باسم "تاسك" رصد ميزانيات واضحة واتخاذ قرار حكومي. ومن الواضح ان تبني خطة وزارة المالية ومطالب الجماهير العربية كما بلورتها لجنة رؤساء السلطات المحلية ومركز مساواة والقائمة المشتركة لن يحصل دون مفاوضات وضغط شعبي قد يصل الى حد التظاهر والإضراب. هذا ما شاهدناه بحال السلطات المحلية العربية الدرزية وهذا ما نشهده الان مع تجربة المدارس الاهلية.
علينا ان نؤكد ان المعركة على الحقوق الإقتصادية الإجتماعية ليست معركة السلطات المحلية لوحدها فهناك قضايا تتخطى قدرة السلطات المحلية او الجمعيات او المدارس الاهلية ان تتحملها وهنا نورد على سبيل المثال أزمة السكن والتخطيط وقضية التشغيل وخصوصا بين الشباب والنساء.
النساء والشباب العرب
يعاني مجتمعنا من أزمة الشباب العرب والنساء بشكل خاص. فعشرات الاف الشباب خريجي المدارس العربية هم طاقة رائعة تبحث عن مستقبل وتعليم جامعي وعمل واطر اجتماعية تثري حياتهم المهنية والعائلية. وتعاني النساء العربيات من الحصار الإقتصادي على قرانا ومدننا حيث تحولت مكاتب رؤساء السلطات المحلية العربية الى مكاتب العمل لهؤلاء النساء العصاميات الباحثات عن عمل. ولا يمر يوم دون ان نسمع عن حوادث العمل التي يتعرض لها شبابنا في ورشات البناء التي تستغل رغبتهم في العمل وبناء المستقبل وتستهتر بصحتهم وامانهم.
أصبحنا نستسلم لظاهرة العنف التي ترافق حياة قرانا ومدننا والتي ذهب ضحيتها مئات الشباب والنساء. إعتدنا على ظاهرة السلاح غير المرخص الذي يستخدمه شباب لترهيب جيرانهم وفي بعض الحالات للدفاع عن انفسهم او الإعتداء على غيرهم. وبدل ان نتعامل مع أزمة الشباب، خصوصا الشباب المتسرب من جهاز التربية والتعليم وأزمة العمل أصبحنا ضحايا الانهيار القيمي والاخلاقي والفراغ السياسي والإقتصادي والثقافي. أصبحت بلداتنا تعاني من الفراغ وأصبح تنظيم ماراتون في الطيرة تحدي مجتمعي وأصبحت النشاطات الثقافية تهديد للبعض بدل ان نسنتجد بمشروعنا الثقافي في بناء الانسان ومكافحة العنف.
طرحنا ومنذ اربع سنوات وبإشراف وقيادة الكاتب سلمان ناطور مشروع "الثقافة حقوق وفضاءات" وقدنا حملة "أذار الثقافة" كبديل وطني يساهم في مواجهة الانهيار القيمي الذي نعاني منه. ونناشد هنا من كل من يهمه مستقبل شعبنا ان لا يصمت على إغلاق مسرح الميدان وعلى منع امل مرقص من الغناء ومنع سناء لهب من عرض مسرحيتها ومنع كتاب علاء حليحل. لشبابنا ونسائنا وكافة شرائح شعبنا حقوق والحق في الثقافة وحركات الشباب والتعليم والعمل هي حقوق علينا رعايتها وتحقيقها. نحن ندفع ثمن إهمال الشباب والنساء العربيات يوميا وسندفع ثمنا غاليا بحال واصلنا وصفنا لأمراض مجتمعنا دون ان نعالج مسبباته وننظم الشباب والنساء لتتحمل مؤسسات الدولة مسؤولياتها في توفير فرص العمل والترفيه والتدريب المهني امام الشباب والنساء العرب.
لبلورة مشروعنا الوطني علينا ان نزور جامعات فلسطين المحتلة عام 1967 وجامعات الاردن لندرس نجاح فلسطين المحتلة عام 1967 في استقطاب شبابنا لنرى الطاقة الكامنة والرائعة بين شبابنا الباحثين عن التعليم العالي على الرغم من درايتهم بصعوبة ايجاد العمل. ولا يمكن ان يبقى موضوع العمل مهملا دون ان ينفجر اولا بوجهنا ومن ثم بوجه الحكومة التي ترفض بناء جامعة عربية ووضع خطّة شاملة لدعم التعليم العالي وتتجاهل تنفيذ قانون تشغيل العرب في المكاتب الحكومية وتدفع بالشباب للبحث عن العمل داخل السلطات المحلية العربية.
لقد تحول رؤساء السلطات المحلية الى مكاتب عمل وعنوان غضب الشباب والنساء المعطلين عن العمل بدل ان تتحمل الحكومة ووزاراتها مسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية. تنظيم الشباب والنساء العرب هي مسؤولية وطنية للنهوض بمجتمعنا وبناء مستقبلنا ولا يمكن ان تقتصر هذه المهمة على السلطات المحلية والجمعيات الاهلية بل يجب ان تتحملها الاحزاب السياسية والقطاع الخاص وبالاساس الحكومة الإسرائيلية التي تمارس سياسة ممنهجة من محاصرة للشباب والنساء العرب يؤدي الى تهجيرهم وزجهم في دوامة الإحباط والعنف.
السكن والتخطيط:
أضف الى الفقر وبطالة الشباب والنساء ارتفاع اسعار السكن وأزمة التخطيط التي تعاني منها بلداتنا. وأصبحت مدن حيفا وعكا ونتسيرت عليت وكرميئيل عنوان لهجرة الازواج الشابة العربية المقتدرة الى هذه المدن بحثا عن حلول سكنية. وترتفع أسعار الاراضي بقرانا ومدننا بسبب شح الأراضي وسياسة التخطيط وتخصيص الأراضي التي تتبعها وزارات الداخلية والمالية ودائرة اراضي اسرائيل. ففي حين يترك حيفا ألاف اليهود، يتوجه اليها سنويا الاف الازواج الشابة العربية التي ضاقت فيهم الناصرة ومجد الكروم وباقة الغربية وام الفحم.
وموضوع السكن يجب ان لا يقتصر على ما يقوم فيه من دور هام ومهني المركز العربي للتخطيط البديل وعليه ان يتحول الى قضية شعبية. فلا يمر اسبوع بدون هدم او إصدار أوامر هدم ومحاكمات وغرامات باهظة يدفعها المواطن وعائلته دون ان تتحمل الحكومة مسؤولية الحل.
تناقش الحكومة في السنوات الاخيرة موضوع السكن ويعرف الوزير كحلون ان سقوطه وإنهيار الحكومة يتعلق في قدرته على خفض أسعار السكن. ويتضح أنه لا يشغل بال الوزير كحلون أزمة السكن في المجتمع العربي حيث أخرجت وزارة المالية غالبية توصيات السكن في المجتمع العربي خارج ميزانية الدولة المقدمة للكنيست. وتعلم الحكومة عمق الأزمة السكنية والتخطيطية ولكنهم يتجاهلوها قصدا ومن منطلقات عنصرية. أصبحت أزمة السكن والتخطيط من أهم الازمات التي نعاني منها ولكن ردنا ليس بحجم التحدي من ناحية تنظيم الناس لتوجيه إحباطهم وغضبهم تجاه الحكومة كما فعلت قيادة جماهيرنا العربية قبل يوم الارض. ولا يمكن ان نتعامل مع قضية العراقيب والهدم في النقب من خلال مسيرة ومهرجان احتجاجي واعادة بناء ما هدم دون تنظيم الناس لتشكيل ضغط متواصل على المسؤول عن أزمة السكن والهدم وهي مؤسسات التخطيط والإسكان الحكومية.
التعليم العربي والمدارس الاهلية كنموذج
خرجت المدارس الاهلية الى معركتها منذ اكثر من عام بعد ان سكتت على سنوات من التقليص والتمييز. وخاضت المعركة بعيدا عن الاضواء وبعد ان رفعت اجور التعليم مرارا وحملت الاهل ثمن سياسة التقليصات الحكومية وبلديات المدن المختلطة مثل حيفا وعكا والرملة واللد ويافا. نعم دفع الاهل ثمن التقليصات المتواصلة في تمويل التعليم الاهلي والذي خاض معركته بعيدا عن العمل النضالي والشعبي والاعلامي. وقد شاركت في عدد من الجلسات التفاوضية والنشاطات الاحتجاجية التي نظمتها هذه المدارس قبل الخروج الى المعركة الكبري التي تخوضها في هذه الايام. وبعيدا عن الاضواء والاعلام وعد وبحضوري الوزير كحلون عضو الكنيست ايمن عودة والمدارس الاهلية انه سيعمل على حل المشكلة من خلال الاتفاق الائتلافي الذي يضمن لشاس ويهدوت هتوراة إعادة اكثر من 200 مليون شيكل لميزانيتهم.
إستمرت وزارات التعليم والمالية بمماطلة المدارس الاهلية دون ان تتحول قضيتهم الى قضية الجماهير العربية. حاول نتنياهو ابتزاز مواقف سياسية من الكنائس التي تملك غالبية المدارس. كان من المفيد ان تقود القيادة السياسية للجماهير العربية معركة شاملة على التعليم العربي، وبضمنها حق المدارس الاهلية. علينا ان نتعامل مع معركة المدارس الاهلية كجزء من المعركة الاكبر على مستقبل شعبنا وحقنا في التعليم. ففي حين تنقص قرية مجد الكروم 40 غرفة لحضانات الاطفال و 3 مدارس للطلاب انحصرت المعركة في المدارس الاهلية والتي قررت ان تخوض المعركة وفرضت على جماهيرنا العربية مسؤولية التضامن معها في المعركة على التعليم.
يحق لشعبنا ان نقوده لمعركة على التعليم والعمل والرفاه الاجتماعي. رافقنا خلال الاسابيع الاخيرة معركة المدارس الاهلية ونؤكد انها من أهم المعارك التي انطلقت في السنوات الاخيرة لتحصيل الحقوق المدنية والاقتصادية الاجتماعية. وعلينا ان نتعلم من ارادة هذه المدارس ومن قيادتها العلمانية والدينية والأهلية أهمية الإنطلاق لتحصيل حقوقنا عامة. فحق طلاب مجد الكروم وعرعرة والنقب وطلاب مدراس حوار الحيفاوية الحكومية والأهلية ينتهك يوميا دون ان يجد رئيس المجلس واهل البلد من يقف على رأس المعركة لتحصيل حقوق اولادنا. والقضية ليست قضية رصد الموارد المالية والانسانية للعملية النضالية بل هي قضية إلتصاق في هموم الناس والوقوف معها في معاناتها وتحريضها لتحصيل حقها في التعليم والثقافة والرفاه الاجتماعي والسكن.
رافقنا المدارس الاهلية في الكنيست يوم الاربعاء 2.9.2015 حين حضروا بالعشرات للقاء اعضاء كنيست ووزراء تملصوا من الاجتماع معهم. رتبنا لهم خلال 24 ساعة لقاءات مع عشرات اعضاء الكنيست ورأينا قيادة تربوية ودينية تفرض نفسها على طاولة الغذاء التي يجلس عليها وزير التعليم ووزير الاقتصاد وتطالب بحقها. رأينا الغضب في عيونهم حين شاهدوا التعتيم الاعلامي الذي تبع مظاهرة يوم الاحد ورأينا كيف قام المئات بالاتصال بادارات محطات التلفزيون والمراسلين واحتجوا على التجاهل الاعلامي. إقترحنا على اللجنة القيادية يوم الخميس تنظيم مظاهرة وشهدنا كيف نجحوا خلال اقل من يومين بتنظيم اكثر من مئة باص وتحصيل ترخيص بمساعدة عضو الكنيست اسامة سعدي لمظاهرة ضخمة تحمل رسالة حق. لم تتنازل قيادة المدارس الإهلية عن هويتها الوطنية في نضالها الإقتصادي والإجتماعي والمدني لتحصيل حق طلابنا بل تواصلت والتصقت مع القيادة السياسية.
إعتقد البعض قبل الخروج الى هذه المعركة ان المدارس الكنسية الأهلية ستحصل على حقها كونها مدارس مسيحية. وروج البعض ان هناك عربين وثلاث وان الدروز أحسن من المسلمين وان المسيحيين سيحصلوا على حقوقهم كونهم أبناءا مدللين لعلاقات إسرائيل الخارجية مع العالم الغربي. برهنت التجارب التراكمية لشعبنا ان لا سبيل لتحصيل حقوقنا في هذا الوطن وفي ظل هذه الحكومة بالذات بدون النضال الشعبي والقانوني والبرلماني والاعلامي والدولي. هذا ما حدث مع المجالس المحلية العربية الدرزية وهذا ما يحدث الان مع المدارس الأهلية العربية المسيحية وهذا ما سيحدث مع اهل القرى غير المعترف فيها في النقب وهذا ما سيحدث مع المجالس المحلية العربية وهذا ما يجب ان يحدث مع النساء والشباب المعطلين عن العمل بسبب سياسة التمييز والإحتلال التي تمارسها حكومة اسرائيل الحالية.
خطة العمل الوطنية:
نجحنا في تحويل مرحلة النقاش على ميزانية الدولة لمرحلة نضالية هامة في تحصيل الحقوق المدنية والإقتصادية الإجتماعية لجماهيرنا العربية. علينا الاستعداد لمرحلة ما بعد الاعياد اليهودية وعودة الكنيست الى العمل. فمعركتنا في قضية المدارس الاهلية وقضية قانون المواطنة والهدم في النقب والجليل وتشغيل النساء والشباب هي قضايا تتطلب ادارة حكيمة للمعركة.
• علينا كمجتمع الاتفاق على رؤيا وتحسين الأداء وتوزيع المسؤوليات بين القيادة السياسية والحزبية واعضاء الكنيست والسلطات المحلية والإعلاميين العرب والمؤسسات الأهلية لنضع مواردنا لمصلحة التحرك الجماهيري. علينا مرة اخرى بلورة خطة عمل متكاملة تسمح لنا بمواجهة السياسة الحكومية ومخططاتها.
• علينا ان نخرج الى المعركة على ميزانية الدولة والحقوق الاقتصادية الاجتماعية دون ان نهمل شرائح مركزية بمجتمعنا مثل النساء المعطلات عن العمل والفقراء المحتاجين والطلاب في الغرف المستأجرة. هؤلاء هم ابناء شعبنا وعلينا إستحضارهم يوميا إعلاميا وشعبيا ودوليا وبرلمانيا وفي مواقع اتخاذ القرار. فقرار المدارس الاهلية وتحول معركتهم من قضية نخبوية لمعركة شعبية هو دليل قاطع على قدرة الناس في التحرك بحال التصفت القيادة في هموم الناس.
• هموم الناس عميقة ويكفي ان نتوجه الى مكاتب العمل لنرى الاف النساء والرجال يقفون مكسوري الخاطر امام مكاتب التسجيل للعمل والتأمين الوطني يبحثون عن عمل وكرامة ومن يسمع صوتهم ويعمل على تحصيل حقهم.
• تتحمل المؤسسات الوطنية مسؤولية تنظيم الاف الفقراء والنساء المعطلات عن العمل والشباب الباحثين عن جامعة او كلية وعن ضحايا الهدم وقانون المواطنة لتتحول معركتنا امام التمييز والعنصرية الى معركة شعبية. فبدل ان تتحول السهام ضد رؤساء السلطات المحلية المطالبين بتوفير عمل للمقاول ولخريجة دار المعلمين تقع علينا مسؤولية تحميل الحكومة مسؤوليتها في تشغيل العمال العرب.
• نلاحق في مركز مساواة ومنذ العام 2000 ميزانية الدولة ويمكننا التأكيد ان الاموال متوفرة لتخصيص الميزانيات المطلوبة لحل أزمة المجتمع العربي المستديمة. يتطلب تخصيص هذه الميزانيات إدارة المعركة بشكل حكيم برلمانيا وإعلاميا وشعبيا وقانونيا ودوليا.
• يضع مركز مساواة خبراته المتراكمة تحت تصرف القيادة السياسية والسلطات المحلية وانا على ثقة ان كافة المؤسسات وبما في ذلك المدارس الاهلية والناس المهنيين بشعبنا على إستعداد لخوض المعركة ووضع مواردهم ضمن خطة شمولية.
• المطلوب الان مناقشة خطة عمل وطنية تساهم في تحصيل حقوقنا المدنية وتضمن تغيير الخطاب العنصري تجاه مجتمعنا وشعبنا. فجذور قضيتنا الاقتصادية والاجتماعية ترتبط في القضية الفلسطينية الأوسع وفي المكانة القانونية المتدنية لمجتمعنا.
• خطة العمل لا يمكن ان تقتصر على المجتمع العربي ولكنها يجب ان تنطلق من مجتمعنا وتخاطب اليهودي لتحرره من نفسية الإستعلاء القومي والطبقي وتجنده ضد الاحتلال والتمييز وغلاء المعيشة وأسعار المنازل.
• يتابع المجتمع الدولي قضيتنا مؤخرا بشكل لم يسبق له مثيل وعلينا الاستفادة من الكوادر الرائعة التي تعيش في البلاد وخارجها لمخاطبة الرأي العام وحكومات العالم لتناصر قضيتنا وتطرحها في كافة حواراتها المحلية والاقليمية والاقتصادية والسياسية.
بلورة خطة العمل وتقسيم المسؤوليات سيخلق إنجازات وهذه دعوة مفتوحة لكافة المؤسسات والشخصيات والاحزاب ان نستغل هذه المرحلة لتطوير الأفكار المطروحة في هذا المقال نحو خطة عمل وطنية وننطلق لتنفيذها لتحصيل حقوقنا وحماية شعبنا ومكافحة العنصرية والتي ستساهم في إنهاء الاحتلال. نعم لدينا القدرة , وعلينا ان نتعلم العمل كفريق يفهم الواقع ولديه رؤيا ويرصد الموارد المطلوبة ويؤمن في قدرته على تحقيق التغيير المنشود.